01‏/01‏/2012

حقوق الإنسان المصري في ظل قانون الطوارئ " أنصار حقوق الإنسان" يدينون الطوارئ


القاهرة – سمر سيد
بعد قرار الحكومة المصرية المعتمد من المجلس العسكري الأعلى بتفعيل قانون الطوارئ ومرسوم تغليظ العقوبة؛ دخل الشعب المصري في جدل طويل واختلاف في الآراء حول الموضوع، وهو ما زاد من حالة البلبلة والتوتر والارتباك والشكوك التي تنتاب المصريين مما يحدث حولهم؛ فقد عانت مصر ثلاثين عاما مما يعرف بقانون الطوارئ الذي فرض بعد أحداث المنصة واغتيال الرئيس الراحل "السادات" عام  1981  ....


وإعلان حالة الطوارئ وتجديدها بشكل مستمر منذ ذلك الحين وحتى اليوم يكشف عن مدى الانتهاكات والتجاوزات التي شهدتها مصر في تلك الفترة وكان ذلك نتيجة إطلاق يد الجهات الأمنية في التعامل مع المواطن متجاهلة بذلك القانون والدستور وحرية الإنسان والاعتداء عليه.
 فلم تكن غاية ثورة 25 يناير التي أذهلت العالم إسقاط الرئيس المخلوع "حسني مبارك" فقط بقدر ما كانت سعيا للتحرر من أي قيود تكبل حرية الشعب الذي عانى من الظلم بجميع أنواعه، وبعد أن خرج الملايين من الشعب المصري يطالبون بالمزيد من الحرية وتمكنت الثورة من الإطاحة بذلك النظام في صورة أبهرت العالم، اصطدم الشعب بتفعيل قانون الطوارئ مرة أخرى بدعوى وجود أسباب تقتضي فرضه مع تعديل بعض أحكامه بموجب المرسوم رقم 193 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم126 لسنة2010 فهو يتضمن تطبيق الأحكام المترتبة على إعلان حالة الطوارئ خلال مدة سريانها على حالات محددة لمواجهة حدوث اضطرابات في الداخل؛ وجميع أخطار الإرهاب، والإخلال بالأمن القومي، والنظام العام في البلاد، أو تمويل ذلك كله وحيازة الأسلحة والذخائر والاتجار بها، فضلا عن مواجهة أعمال البلطجة والاعتداء علي حرية العمل، وتخريب المنشآت وتعطيل المواصلات وقطع الطرق، وبث وإذاعة أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة، هذه التعديلات رحب بها بعض رجال السياسة والقانون وعارضها بعضهم.
ولاتزال الانتقادات دائرة عقب تفعيل المجلس العسكري لهذا القانون فحينما تلجأ الدول إلى إعلان قانون الطوارئ والأحكام العرفية فإنها تعرف جيداً أنها تخاطر بالحريات العامة وحقوق الإنسان في بلدها وخاصة مع هذا القانون الذي يثير تحفظات الكثيرين لما يحتفظ به الشعب المصري في ذاكرته من أمور يرفضها الكثيرون ويطالبون بإعادة النظر فيها، إلا أن المجلس الأعلى والحكومة يبرران لجوءهما إلى هذا الخيار بحجج كثيرة على رأسها المصلحة الوطنية العليا وسلامة واستقرار البلد.
في هذا الاستطلاع سننقل لكم آراء شرائح من الشارع المصري؛ و آراء بعض السياسيين بقانون الطوارئ.
- بداية تقول "رحاب عبد الإله "مذيعة شابة "
عودة تفعيل قانون الطوارئ مرة أخرى ليس الهدف منه حماية الدولة وعودة الأمان للبلد كما يقال، فهي ليست إلا قوانين ظالمة تعيد النظام البائد بممارساته من جديد؛ وعودة هذا القانون محاولات لإجهاض الثورة، وهذا واضح في التطورات الأخيرة التي تدل على أنه لا يوجد فرق بين ماقبل الثورة وبعد الثورة، مثل اقتحام مكتب الجزيرة مباشر وغلق قنوات فضائية، فهذا يعتبر تصرفا غير مبرر وهذا  يوحي بالشك والقلق، إذ لابد ان يعلم المجلس الأعلى والحكومة ان الشعب المصري تغير بعد الثورة، ولن يسمح لأحد أن يعتدي على حقوقه.
- مصطفي صلاح "مهندس" يقول إن المجلس العسكري اخلف الوعد مع الشعب المصري لأنه أعلن في بداية توليه حكم البلاد عن إنهاء حالة الطوارئ قبل الانتخابات؛ فالضمانة الوحيدة لانتخابات نزيهة أن تتم في ظروف طبيعية وهو ما كان ينتظره الشعب المصري بعد الثورة وليس أن تتم تحت حكم الطوارئ وفرض المجلس العسكري سيطرته على البلاد حتى يتم إعداد رئيس يكون على مزاج أمريكا لان الطوارئ هو الداعم لبقائه.
- لماذا الاعتراض علي قانون الطوارئ؛ هكذا بدأ "طارق البحيري" أعمال حرة- حديثه قائلا: إنه من الممكن أن يطبق القانون لفترة قصيرة حتى يتم السيطرة على الأمن ويعود الاستقرار للبلد، وهذا القانون سيقتصر تطبيقه على البلطجية فقط لأنه سيكون رادعا لبعض جهات التخريب التي تعمل على عدم الاستقرار وإثارة الفوضى والشغب في المجتمع، الناس الآن تشعر بالقلق من حوادث السرقة والاغتصاب وهذا القانون سيعيد الأمان للبلاد مرة أخرى.
- ناريمان سيد "آداب فلسفة".. تقول: الجيش له موقعه فهو لا يفهم معنى السياسة ولا لعبة السياسة فلابد أن يسلم السلطة في أسرع وقت ويعجل بالانتخابات البرلمانية، انا بدأت اشعر أن المجلس الأعلى يسير على نفس خط النظام القديم خصوصاً بعد تفعيل قانون الطوارئ والدليل على ذلك الأسباب التي كانت تقال في النظام القديم عن سبب تمديد قانون الطوارئ هي نفس الكلام الذي نسمعه الآن وهو الحفاظ على امن البلد وللتعامل مع البلطجية وتجار المخدرات والإرهابيين وللتخلص من المشاكل الأمنية.
- سمر طاهر "ليسانس حقوق تقول .. أنا مثل كثير غيري رافضة تفعيل قانون الطوارئ فلا أرى أن الحل هو زيادة القبضة الأمنية فالطوارئ ليست الحل في القضاء على أسباب العنف، إنما الحل في طمأنة المواطنين بوضع جدول زمني واضح وقيام الحكومة والمجلس الأعلى بتنفيذ الطلبات وعدم التباطؤ فيها وسير المحاكمات بشكل صحيح وبدون تلاعب، والعمل بهذا القانون ليس له مبرر من الأساس، وإذا كان ما يفعله محاولة للحفاظ على الأمن كما يقول فإن الطوارئ لا تحافظ على الأمن، فهو قانون لعودة تكميم الأفواه واستغلال القانون لخدمة أغراض سياسية والوقوف ضد الإخوان وغيرهم من السياسيين وعودة الاعتقالات من جديد.
وبعد هذا الاستطلاع في آراء شرائح من  الشارع المصري كان للحوار وقفات مع رئيس منظمة حقوق الإنسان "حافظ أبو سعدة" وأستاذ القانون الدستوري "عصام مبروك" وكان معهم هذا الحوار:
-إن توسيع السلطات العسكرية المصرية في مجال "قانون الطوارئ" يعتبر أكبر عملية إزالة تدريجية لحقوق الإنسان
جاء ذلك على لسان الناشط المصري في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان "حافظ أبوسعدة" رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والمحامي بالنقض .. إن العودة للعمل بقانون الطوارئ كان قرارا صادما للشعب المصري، كنت أود ألا نعود للحديث عن قانون فقد صلاحيته وشرعيته منذ سقوط النظام، فكيف نجدد العمل بقانون يهدد مسيرة بناء الدولة الديمقراطية، ولايمكن ان يتعايش جنبا إلى جنب مع النظام الديمقراطي والحضاري الذي نسعى له فلا يكتب له الحياة في ظل استخدام هذا القانون، وتفعيل الطوارئ يجعل الحديث عن ضمان أي حق من الحقوق والحريات الأساسية فارغ المضمون والمحتوى، فهو مرتبط منذ فترة طويلة بالنظام السابق، والمجتمع لايريد تحقيق الاستقرار بأدوات كان النظام السابق يستخدمها أسوأ استخدام ويدافع بها عن بقائه والقضاء على خصومه. وأضاف: إن  المجتمع المصري يريد واقعا جديدا يعمق تجربته الديمقراطية ويجعلها نموذجا يحتذى به في المنطقة العربية، فلا يقبل بعد ثورة شعبية رفعت شعار الحرية أن تعود لممارسات نظام مبارك مجدداً من قمع ومصادرة لحرية الإنسان، وهذا القانون يتناقض مع تعهدات المجلس العسكري التي من ضمنها إنهاء العمل بقانون الطوارئ قبل الانتخابات التشريعية المقبلة، كما يتعارض مع ما جاءت به كافة المواثيق والاتفاقيات المعنية بحقوق الانسان. ويتسأل "حافظ ابو سعدة" قائلا: كيف لنا ان نعود للعمل بقانون الطوارئ؟!! فتفعيل العمل بهذا القانون يعتبر  أكبر تهديد لحقوق الإنسان؛ وردة عن مبادئ ثورة 25 يناير التي وضعته فوق قمة أولوياتها لإنهاء العمل به وكان اهم مطالبها.
وأكد أبو سعده أن القانون بنصوصه الحالية يهدد حريات وحقوق المواطنين جميعًا؛ حيث أباح للسلطات وضع قيود على الأفراد والاجتماعات والقبض والتفتيش وغيرها من انتهاكات لحقوق الإنسان، موضحاً ان لجوء الحكومة والمجلس الأعلى لقانون الطوارئ ليحفظ الأمن لن يحل المشكلة في تصوري ولكن يزيد الأمور تعقيدا، والمتفق عليه أن كل حوادث الإرهاب والعنف وقعت في زمن الطوارئ فلم يستطع هذا القانون أن يمنع حادثا واحدا، فلسنا في حاجة الى العمل بهذا القانون ولدينا من القوانين والتشريعات ما يحقق الهدف والغرض من إعادة الانضباط للشارع والقضاء علي كل أعمال الفوضى والبلطجة، وقانون العقوبات فيه تجريم لكل فعل نراه الآن ويوجد من القوانين ما يحقق غرض الردع ولا داعي لهذا القانون وكل ماهو مطلوب التطبيق بحزم؛ وجهاز أمني يسيطر على الفوضى.
وأوضح "ابو سعدة" ان كل ما هو مطلوب في هذه المرحلة وجود ضبط وربط وإرادة سياسية لدى المجلس العسكري ومجلس الوزراء للتعامل مع حالات الفساد والبلطجة، وجميع الأفعال التي تعمل علي  ترويع الآمنين وغيرها من الأفعال التي تكدر صفو الرأي العام وتطبيق القوانين، خاصة وأن الجرائم التي أوردها هي جرائم يحكمها القانون العام، ولا تتطلب أن يجرمها قانون استثنائي كقانون الطوارئ المصري .. نحن أمام قانون سيئ السمعة وجائر على حقوق الإنسان وإهدار كرامته، ولذلك أي حديث يأتي في هذا الشأن لن يريح الشارع المصري خاصة انه لعب دورًا كبيرًا في العصف بالعديد من الحقوق والحريات مثل الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي وغيرها كثير
وأكد أبو سعده أن هذا القانون يفتح بابا جديدا لضباط المباحث في التعامل مع الناس بقانون فضفاض لاتحكمه ضوابط محددة أو قواعد صارمة تحول دون الاعتداء علي الحريات.
وأشار إلى إن إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية يتناقض مع المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، فالقضاء العسكري في الأساس هو قضاء خاص بالعسكريين والجرائم التي تقع على منشآت أو معدات عسكرية، وبالتالي فإن محاكمة المدنيين أمامه يمثل انتهاكا صارخا للمادة الرابعة عشرة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تؤكد حق كل فرد في محاكمة منصفة ومستقلة ومحايدة وقائمة استناداً إلى القانون
ودعا ابو سعده الحكومة المصرية والمجلس العسكري التراجع عن مد الطوارئ وإنهاء العمل به لان مصر أمس غير مصر اليوم.. الشارع لن يقبل بالعودة الى الوراء وإهدار ما حققته ثورة 25 يناير .
من جهته قال الدكتور عصام مبروك أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة للحوار:
 إن مصر تعيش حالة ارتباك قانوني شديد فاستمرار الطوارئ مخالفة صريحة للإعلان الدستوري، فقد سقط قانونيا ودستوريا بفعل الإعلان الدستوري الذي يعتبر بمثابة الدستور المؤقت للبلاد  الصادر في مارس الماضي والذي يحكم النظام السياسي المصري الآن، ويشير الدكتور مبروك إلى أن المادة ٩٥ من الإعلان الدستوري نصت على أنه في جميع الأحوال لايجوز أن تمتد حالة الطوارئ أكثر من ٦ أشهر إلا بعد استفتاء شعبي، ولأن نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية تمت يوم 20 مارس فإن حالة الطوارئ تنتهي يوم 19 سبتمبر ولم يلجأ المجلس العسكري لإجراء استفتاء شعبي حتى يتمكن من مد حالة الطوارئ.
وطالب "مبروك المجلس العسكري إلغاء حالة الطوارئ فوراً، مشيراً إلى أن القوانين الطبيعية بها ما يكفى لمواجهة أعمال البلطجة  وقانون العقوبات يكفي لتحقيق الهدف خاصة أن حالة الطوارئ انتهت قانونيا ولا يجوز العمل بها إلا بعد استفتاء الشعب، ونحن لسنا بحاجة إلى قانون الطوارئ منذ30 عاما لأننا نملك قانون العقوبات.
وسبب بعض أعمال البلطجة في الشارع المصري هو الغياب الأمني, فرجال الشرطة لا يؤدون أعمالهم، ويشير الدكتور مبروك إلى أن قانون العقوبات يتضمن نصوصا تعاقب على الإرهاب والبلطجة وبث الشائعات، وأن القانون العادي ينص علي تجريم مثل هذه الجرائم, وقانون الطوارئ به اعتقال والمطلوب حكومة قوية تطبق قانون العقوبات دون حاجة للرجوع الى قانون استثنائي وهو قانون الطوارئ.. قانون عانى منه الشعب المصري،  لذلك نأمل إعادة النظر في هذا الأمر بل ونطالب بإلغاء قانون الطوارئ قبل بداية العملية الانتخابية حتى تتم بحرية و نزاهة، كما وعد المجلس العسكري.
كثيرون اهتموا بعودة تطبيق بنود قانون الطوارئ بشكل كامل ،والبعض الآخر عارض وبشدة لأنهم يرون ان تفعيل القانون إجهاض للثورة وعودة إلى النظام البائد. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق